بقلم: أ.د لطفي طرشونة
يمكن الربط بين إضعاف تركيا وإضعاف الدول العربية من خلال قراءة تاريخية – جيوسياسية – استراتيجية، تظهر أن القوى الكبرى عملت على تفكيك وتفتيت المجالين العربي والتركي معاً لمنع تشكّل قوة إقليمية متماسكة قد تهدد مصالحها. ويمكن توضيح ذلك عبر ثلاثة مستويات مترابطة:
1. البعد التاريخي
تفكيك الدولة العثمانية: انهيار الإمبراطورية العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى كان بداية إضعاف تركيا الحديثة، تماماً كما كان مدخلاً لتقسيم المشرق العربي عبر اتفاقية سايكس – بيكو (1916) ووعد بلفور (1917).
وراثة الاستعمار: القوى الأوروبية عملت على إبقاء تركيا في وضع داخلي هش (إلغاء الخلافة، فرض معاهدة لوزان، تقييد الجيش والاقتصاد) وفي الوقت نفسه جزأت المنطقة العربية إلى كيانات صغيرة مرتبطة عضوياً بالغرب.
2. البعد الجيوسياسي
إضعاف المركز لمصلحة الأطراف: تم عزل تركيا عن عمقها العربي والإسلامي، وتم عزل الدول العربية عن مجالها الطبيعي في الأناضول وشرق المتوسط. هذا التباعد حرم الطرفين من بناء قوة مشتركة قادرة على مواجهة التحديات.
التوظيف الدولي للخلافات: الغرب دفع في اتجاه صراعات تركية–عربية (مثل النزاعات على لواء إسكندرون، أو تنافس تركيا مع مصر والسعودية على الزعامة الإقليمية)، مما ساهم في تكريس الانقسام.
الوظائف الجيوستراتيجية: تركيا أُدمجت في حلف الناتو كذراع عسكرية ضد الاتحاد السوفياتي، بينما دُفعت الدول العربية في أحلاف أخرى أو في حالة تبعية اقتصادية – عسكرية، ما جعل الطرفين أدوات أكثر مما هما فاعلان مستقلان.
3. البعد الراهن
تركيا والدول العربية بين الطموح والقيود:
تركيا تسعى إلى استعادة دورها الإقليمي، لكن يتم تطويقها عبر أزمات (الانقلاب 2016، الصراع مع الأكراد، ضغوط الاتحاد الأوروبي وأميركا).
الدول العربية تعيش تفتيتاً ممنهجاً عبر الحروب الأهلية، التدخلات الأجنبية، والانقسامات الداخلية.
منع التقاطع الاستراتيجي: أي تقارب تركي–عربي يُنظر إليه كتهديد لمعادلات النفوذ الدولي، لذلك يُعمل على عرقلته (كما في الأزمة السورية، حصار قطر، أو تنافس تركيا مع بعض الدول العربية في ليبيا والقرن الإفريقي).
الخلاصة
إضعاف تركيا وإضعاف الدول العربية ليس مسارين منفصلين، بل جزء من استراتيجية كبرى لتفكيك المجال الإسلامي–الشرقي ومنع قيام قوة إقليمية متوازنة. الرابط بينهما أن الطرفين تعرضا لسياسة “فرق تسد”: تقسيم، تهميش، تحويل الخلافات إلى صراعات، وربط الاقتصاد والسياسة بالخارج.





























