في تحليل مطول لمؤسسة “سينشري” الأميركية، سلّط الضوء على لحظة حاسمة يمر بها العراق في مشروع بناء الدولة، إذ يواجه تحديات كبيرة مع القوى الساعية لإبقائه معتمداً على الجماعات المسلحة. وأشار التقرير إلى التوتر بين الإطار التنسيقي و”المقاومة الإسلامية” في العراق، ووجود انقسام حاد حول رؤيتين لمستقبل العراق: الأولى تدافع عنها الحكومة الحالية بقيادة محمد شياع السوداني وترتكز على الدولة الحديثة ذات السيادة والتنمية الاقتصادية، بينما الثانية تروج لها الفصائل المسلحة وتركز على الدولة الثورية “المقاومِة” التي تعتمد على الأيديولوجية. وكشف التقرير عن 3 سيناريوهات محتملة نتيجة التوترات والتدخلات الأميركية والإيرانية، الأول هو الاندماج الجزئي للفصائل في الهياكل الحكومية مع الحفاظ على استقلالية معينة، وهو يتطلب تنازلات من جميع الأطراف، بما في ذلك واشنطن، لقبول التأثير الإيراني في المؤسسات العراقية، وربما يُمرر قانون الحشد الشعبي المعدل وفق هذا الخيار. السيناريو الثاني هو “التفكك العنيف”، مما يعني تجدد المواجهة بين القوات الحكومية والفصائل، كما حصل في “اشتباكات الدورة” وقد يؤدي إلى صراع أوسع داخل الطائفة الشيعية. أما السيناريو الثالث، فيشمل تدخلاً عسكرياً مباشراً من الولايات المتحدة أو إسرائيل ضد الفصائل، ما قد يغير الديناميكيات العراقية وذلك يتوقف على رد القوات العراقية وهل ستكون في موقف قوي أم ضعيف.
شرح موسع للعقوبات الجديدة ضد الفصائل.. هل أنت بغدادي أم جولاني أم خزعلي؟
جانب من تحليل THE CENTURY، ترجمته شبكة 964:
مشروع بناء الدولة في العراق الذي استمر عقدين من الزمن يواجه لحظة حاسمة. من جهة، يقترب البلد أكثر من أي وقت مضى من أن يكون لديه دولة فاعلة وحكومة جيدة. ومن جهة أخرى، هناك قوى داخل العراق لها مصلحة في إبقاء الدولة ضعيفة ومعتمدة على الجماعات المسلحة غير الحكومية، في وقت تجد فيه البلاد نفسها في قبضة التنافس الإقليمي بين إيران وإسرائيل والولايات المتحدة.
يمثل التوتر المستمر بين الإطار التنسيقي الشيعي (CF) والمقاومة الإسلامية في العراق (IRI) أحد أبرز مظاهر هذه التحديات في العراق، حيث يكشف عن نقاط الضعف العميقة في مشروع بناء الدولة بعد عام 2003، وخاصة فيما يتعلق باحتكار الحكومة لاستخدام القوة المشروعة. إن وجود جماعات مسلحة قوية تتلقى تمويلاً من الدولة بينما تحافظ على استقلالية عملياتها يمثل تحدياً أساسياً أمام الحوكمة الفعّالة والمساءلة الديمقراطية.استناداً إلى نظرة مفصلة للتنافس بين الإطار التنسيقي والمقاومة الإسلامية في العراق، يجادل هذا التقرير بأنه كما يرغب صانعو السياسات الدوليون في تشجيع العراق على التخلص من تأثير ما يُسمى “محور المقاومة”، يجب على الفصائل العراقية والدولة العراقية العمل نحو تحسين الحوكمة بشكل مستقل وعلى وتيرتهم الخاصة. إن الإجراءات القسرية التي قد يتخذها الولايات المتحدة لعزل جماعات المقاومة الإسلامية من السلطة ستزيد فقط من الانقسامات وعدم الاستقرار، وستعيد العراق إلى الوراء في مساره نحو الدولة الحديثة.
جوهر النزاع يدور حول رؤيتين غير قابلتين للتوفيق للعراق. الأولى، التي يروج لها رئيس الوزراء محمد شياع السوداني ويدعمها الإطار التنسيقي، هي رؤية الدولة الحديثة: كيان ذو سيادة يسيطر على حدوده، يدير سياسته الخارجية من خلال الدبلوماسية، ويوجه موارده نحو الخدمات العامة والتنمية الاقتصادية. أما الثانية، التي تدافع عنها المقاومة الإسلامية في العراق، فهي رؤية الدولة الثورية “المقاومة”: دولة أيديولوجية في صراع إقليمي، حيث تكون السيادة الوطنية ثانوية لمتطلبات المحور، وحيث توجد القوة المسلحة بالتوازي مع، وغالباً فوق، المؤسسات الرسمية للحكومة.
من الممكن تتبع 3 سيناريوهات واسعة قد تظهر في العراق نتيجة للتوترات الحالية.
السيناريو الأول: الاندماج المُدار
السيناريو المتفائل يتضمن حلًا تفاوضيًا يحقق الاندماج الجزئي للمجموعات المدعومة من إيران (IRI) في الهياكل الحكومية مع الحفاظ على درجة معينة من الاستقلالية التشغيلية. يتطلب هذا النتيجة تنازلات كبيرة من جميع الأطراف، بما في ذلك قبول الولايات المتحدة بالاستمرار في التأثير الإيراني ضمن المؤسسات العراقية، وقبول المجموعات المدعومة من إيران بقيود كبيرة على أنشطتها.
من المحتمل أن يتضمن هذا الترتيب تمرير قانون الحشد الشعبي المعدل الذي يوفر آليات إشراف أكثر وضوحًا مع الحفاظ على بعض المرونة التشغيلية لأنشطة المجموعات المدعومة من إيران. ستعتمد نجاح هذه المقاربة على قدرة القوات العراقية (CF) على الحفاظ على الوحدة الداخلية وإدارة الضغوط الخارجية بشكل فعال.
السيناريو الثاني: التفكك العنيف
السيناريو المتشائم يتضمن انهيار التفاهمات السياسية وعودة المواجهة العنيفة بين القوات الحكومية والمجموعات المدعومة من إيران. قد يُحفز هذا السيناريو بحوادث إضافية مشابهة لاشتباك وزارة الزراعة، خاصة إذا شعر أي من الطرفين بتهديد وجودي لمصالحه الأساسية.
من المحتمل أن يتضمن التفكك العنيف صراعاً أوسع داخل الطائفة الشيعية، مما قد يؤدي إلى انخراط فاعلين مسلحين آخرين وفتح الفرص أمام الجماعات المتطرفة لاستغلال الفوضى الناتجة. إن سابقة الاشتباكات في بغداد في أغسطس 2022 تقدم مثالًا مقلقًا حول كيفية تصاعد التوترات السياسية بسرعة إلى عنف مميت.
السيناريو الثالث: التدخل الخارجي
إمكانية العمل العسكري المباشر من قبل الولايات المتحدة أو إسرائيل ضد أهداف للمجموعات المدعومة من إيران قد يغير بشكل جذري ديناميكيات هذه العلاقة، مما قد يضطر القوات العراقية (CF) إلى اتخاذ قرار حاسم بين التكيف مع الوضع أو التصعيد في المواجهة. قد يُعزز هذا التدخل موقف القوات العراقية من خلال القضاء على منافسين مزعجين أو قد يُضعفه من خلال كشف عجزها عن حماية القوات المتحالفة.
من المحتمل أن يثير التدخل الخارجي مقاومة كبيرة وقد يؤدي إلى تصعيد إقليمي أوسع يشمل إيران ودولًا إقليمية أخرى. سيكون رد القوات العراقية على مثل هذه السيناريوهات هو الذي سيحدد المسار المستقبلي للعراق وعلاقاته مع القوى الدولية الكبرى.