في الآونة الأخيرة، عاد الحديث مجددًا حول احتمال إجراء مفاوضات بين الولايات المتحدة والنظام الإيراني. لا تزال سياسة الضغط الأقصى التي تتبعها واشنطن مستمرة بهدف إجبار طهران على التراجع عن برنامجها النووي وإنهاء أنشطتها المزعزعة للاستقرار في المنطقة. وفي الوقت نفسه، حذرت إسرائيل من أنها ستتخذ إجراءات عسكرية ضد المنشآت النووية الإيرانية إذا فشلت المفاوضات. هذا الوضع يضع النظام الإيراني في موقف حرج، حيث إن أي قرار يتخذه ستكون له عواقب وخيمة.
الضغوط الأمريكية والتهديد الإسرائيلي بالهجوم
بينما يعلن المسؤولون الأمريكيون عن استعدادهم للتفاوض مع إيران، إلا أنهم يؤكدون أن أي اتفاق لن يكون ممكنًا إلا إذا تخلت طهران تمامًا عن برنامجها النووي. وفي هذا السياق، أفادت صحيفة المونيتور أن واشنطن وتل أبيب قد توصلتا إلى تفاهم كامل بشأن إيران، وأنه في حال عدم التوصل إلى اتفاق، فإن إسرائيل ستتخذ إجراءات عسكرية.
كما ذكرت صحيفة واشنطن بوست أن هناك احتمالًا قويًا بأن تستهدف إسرائيل منشآت فوردو ونطنز النووية في هجوم استباقي. وأكدت مصادر استخباراتية أمريكية أن إسرائيل ستحتاج إلى دعم عسكري وتسليحي أمريكي لتنفيذ هذا الهجوم.
من ناحية أخرى، تستمر العقوبات الأمريكية في خنق الاقتصاد الإيراني. فقد أعلن وزير الخزانة الأمريكي أن الهدف من هذه العقوبات هو خفض صادرات النفط الإيراني إلى 10% من مستواها الحالي. ووفقًا للتقارير، فقد انخفضت صادرات النفط الإيرانية إلى الصين إلى أقل من نصف مستواها السابق، مما أدى إلى انخفاض عائدات النظام وزيادة الأزمات الاقتصادية، الأمر الذي ينعكس مباشرةً على تصاعد السخط الشعبي.
مأزق النظام في السياسة الإقليمية والداخلية
كان النظام الإيراني يعتمد في السابق على أذرعه الإقليمية مثل حزب الله والحوثيين والمليشيات العراقية كأوراق ضغط، إلا أن هذه الأدوات باتت أقل فاعلية اليوم بسبب الضغوط الاقتصادية والسياسية. كما أن التطورات الإقليمية تشير إلى تراجع النفوذ الإيراني في بعض المناطق. ففي سوريا، باتت روسيا وتركيا تلعبان دورًا أكثر تأثيرًا، وفي العراق تزايدت الأصوات المعارضة للتدخلات الإيرانية.
أما على الصعيد الداخلي، فإن الأزمة الاقتصادية والتدهور المعيشي ألهبت الشارع الإيراني، حيث شهدت البلاد احتجاجات واسعة شملت المعلمين والعمال وقطاعات مختلفة من المجتمع. وعلى الرغم من القمع العنيف واعتقال المحتجين، لم يتمكن النظام من احتواء الغضب الشعبي.
وقد صرح أحد المسؤولين الإيرانيين في هذا السياق قائلاً: “أي تفاوض في ظل هذه الظروف لا يعني سوى الاستسلام.”
صرح السيد هاشم حسيني بوشهري، إمام جمعة قم في خطبة الجمعة قائلاً:
“أمريكا تمدّ يدها للمفاوضات من جهة، وتهدّد من جهة أخرى. التفاوض مع أمريكا يعني التفاوض مع دولة لا تفي بوعودها؛ فقد كان لديها التزامات في قضية إطلاق سراح الرهائن، لكنها لم تفِ بأيٍّ منها، وفي النهاية شدّدت العقوبات. هذه أسبابٌ كافيةٌ لعدم التفاوض مع أمريكا.”
كما أكّد علي خامنئي في أحد خطاباته قائلاً: “إن التفاوض والتحدّث والتعامل مع العدو في مرحلة ما لا يعني الاستسلام له.”
هذه التصريحات تعبّر عن وجهات نظر كبار المسؤولين الإيرانيين بشأن التفاوض مع الولايات المتحدة، ومخاوفهم من تعهداتها وسلوكها السابق.
وهذا يعكس إدراك النظام لحقيقة أن أي اتفاق جديد قد يؤدي إلى تصاعد الأزمة الداخلية واندلاع احتجاجات أوسع.
خيارات خامنئي: الاستسلام أم المواجهة؟
يجد خامنئي نفسه اليوم أمام خيارين أحلاهما مرّ. إذا قرر الدخول في مفاوضات والقبول باتفاق جديد، فسيكون مضطرًا لتقديم تنازلات كبيرة ستضعف موقفه السياسي. كما أن ذلك سيمثل تراجعًا واضحًا واعترافًا بفشل سياساته السابقة، مما قد يؤدي إلى تفاقم الأزمة الداخلية وتصاعد الاحتجاجات.
أما إذا اختار الاستمرار في نهجه الحالي والإصرار على برنامجه النووي وسياساته الإقليمية، فسيواجه المزيد من الضغوط الدولية. إذ يمكن للولايات المتحدة وأوروبا فرض عقوبات أشد، كما أن احتمال تنفيذ إسرائيل لعمل عسكري سيصبح أقرب من أي وقت مضى.
إضافة إلى ذلك، حذر المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، مؤخرًا من أن إيران تعتزم زيادة إنتاجها الشهري من اليورانيوم المخصب بنسبة 60% بمعدل سبعة أضعاف. هذا التطور قد يدفع القوى العالمية إلى اتخاذ إجراءات أكثر صرامة ضد إيران. كما أن مجموعة الدول السبع الكبرى (G7) أدانت بشكل قاطع السياسات الإيرانية المزعزعة للاستقرار، ودعت طهران إلى وقف أنشطتها النووية والصاروخية، وإنهاء دعمها للجماعات الإرهابية.
الخاتمة: مأزق بلا مخرج
يقف خامنئي اليوم في مواجهة مأزق تاريخي. من جهة، قد تؤدي المفاوضات والتوصل إلى اتفاق جديد إلى استسلام النظام أمام الضغوط الدولية، مما قد يفتح الباب أمام ثورة داخلية. ومن جهة أخرى، فإن الاستمرار في السياسات الحالية سيزيد من عزلة إيران الدولية، وقد يقود إلى مواجهة عسكرية مدمرة.
في ظل هذه المعادلة، يجد النظام الإيراني نفسه أمام خيارين لا ثالث لهما: إما التراجع وشرب “كأس السم” بقبول اتفاق جديد قد يعجل بنهايته، أو الإصرار على تحدي المجتمع الدولي، مما قد يؤدي في النهاية إلى “الانتحار خوفًا من الموت”.





























