بقلم: د. عطية العلي
كتب أحد الأصدقاء عن مثقفٍ كان يراه قدوة ومثالًا في الفكر
والاتزان، ثم استهجن انحيازه نحو عشيرته في أحد المواقف، ورأى في ذلك خُروجًا عن روح التجرد التي كان يتوقعها منه،
كلامه أثار سؤالًا قديمًا متجدّدًا:
هل على المثقف أن ينسلخ عن مجتمعه أو عشيرته بحجة أن رسالته إنسانية عامة؟
في الحقيقة، المثقف لا يعيش في فراغ، بل هو ابن بيئته الاجتماعية والثقافية. انتماؤه لا يُعدّ عيبًا، بل هو ما يمنحه دفء الانتماء وصدق الموقف، لكن الإشكالية تكمن حين يتحوّل هذا الانتماء إلى عصبية تُخفي وجه الحق، فيُبرّر الخطأ بدافع الولاء
لا القيم.
المثقف الحقيقي هو من يجمع بين الوفاء والوعي؛ من يقول لأهله “أخطأتم” حين يخطئون، ويدافع عنهم حين يُظلمون.
فهو ينتمي بوعي، لا بعاطفة عمياء، ويوازن بين الحبّ والحقّ، وبين الانتماء والضمير.
إن رسالة المثقف العامة لا تنفصل عن محيطه، بل تنبع منه وتعود إليه. فكيف يرتقي بالمجتمع إن هو تبرأ منه؟
إن الانسلاخ ليس وعيًا، بل قطيعة، والتوازن هو الفضيلة التي تميّز المثقف الأصيل عن صاحب الموقف المؤقت.
فالمثقف بلا جذور كالشجرة بلا تربة، والمثقف الغارق في العصبية كمن يخنق فكره بيديه.
إنه طريق دقيق بين الانتماء والإنصاف، يسير فيه المثقف الواعي بثبات، فيحبّ أهله، لكن لا يذوب فيهم، ويعتزّ بانتمائه، لكنه يدرك أن العقل لا قبيلة له، وأن الضمير لا يورّث.





























