بقلم: د. راهب صالح الخليفاوي
لم تكن تحركات وحدات المقاومة التابعة لمنظمة مجاهدي خلق عشية الثاني والعشرين من أكتوبر مجرد مظاهر احتجاجية أو مشاهد رمزية بل كانت بيانًا فلسفيًا عميقًا يعيد تعريف معنى المقاومة والحرية في إيران الحديثة.
في وقت أحكم فيه النظام قبضته الأمنية وملأ المدن بالكاميرات والعسس خرجت مجموعات من أبناء هذا الشعب لتقول للعالم إن الخوف لم يعد سلاحًا صالحًا للاستعمال وإن الوعي هو السلاح الجديد الذي لا يمكن للنظام مصادرته.
من طهران إلى زاهدان ومن أصفهان إلى تبريز ومن كرمانشاه إلى مشهد تكرّرت المشاهد ذاتها لافتات تحمل صور مريم رجوي وشعارات تدعو لإسقاط حكم الملالي في فعل يبدو بسيطًا لكنه في جوهره ثورة وجودية ضد الخضوع.
فكل لافتة تُرفع تحت خطر الإعدام وكل صوت يعلو في زمن الصمت هو إعلان عن ولادة وعي جديد لا يخضع ولا يساوم.
إن الفلسفة الكامنة وراء هذا الحراك هي أن الحرية ليست قرارًا سياسيًا بل وعيًا أخلاقيًا.
فحين يخاطر الإنسان بحياته من أجل فكرة فإنه ينتقل من كونه مجرد كائن يخضع للسلطة إلى كائن يخلق المعنى من ذاته.
وهذا ما أدركته وحدات المقاومة أن مقاومة الطغيان تبدأ من تحرير الذات من الخوف قبل إسقاط الجدران من الخارج.
في ظل هذا المشهد يُظهر النظام الإيراني وجهه الأكثر رعبًا حيث يُعدم الناس بتهمة التعاطف مع مجاهدي خلق كما حدث مع السجينين السياسيين مهدي حسني وبهروز إحساني في محاولة يائسة لقتل الفكرة عبر الجسد.
لكن هذه الإعدامات لا تضعف المقاومة بل تحولها إلى طاقة روحية متجددة.
فكل شهيد يُعدم يصبح مرآة تعكس للآخرين أن السكوت هو موت آخر وأن الحياة الحقيقية تُستعاد بالمواجهة لا بالانصياع.
لقد أثبتت هذه التحركات أن منظمة مجاهدي خلق لم تعد حركة معارضة تقليدية بل مدرسة فكرية في الوعي الثوري.
إنها تمثل ما وصفه هيغل بحركة الروح في التاريخ تلك اللحظة التي تتحول فيها المعاناة إلى وعي والوعي إلى فعل والفعل إلى ثورة.
ولهذا فإن ظهور وحدات المقاومة في قلب المدن الإيرانية رغم كل القيود هو حدث يتجاوز السياسة إلى الميتافيزيقا حدث يعلن أن جوهر الإنسان أعمق من سجون السلطة وأوسع من حدود الجغرافيا.
إن النظام الذي يحكم بالإعدام على التعاطف إنما يحكم بالإفلاس على نفسه لأن الدولة التي تخاف من فكرة لا تملك مقومات البقاء.
وفي المقابل السيدة مريم رجوي لم تعد مجرد زعيمة سياسية بل رمزًا فلسفيًا لتحول المقاومة إلى وعي جماعي عابر للحدود ولتحول المرأة الإيرانية من كائن مقموع إلى مركز لصياغة المستقبل.
في النهاية ما يحدث اليوم في إيران ليس صراعًا سياسيًا فحسب بل مواجهة بين فكرتين عن الإنسان
الإنسان الذي يريد النظام تحويله إلى رقم في منظومة الخوف والإنسان الذي تصرّ المقاومة على بعثه كضمير حي للتاريخ
وفي هذه المواجهة كل خطوة تخطوها وحدات المقاومة وكل صوت يهتف باسم الحرية هو جزء من الفلسفة الكبرى لانتصار الوعي على القمع والحياة على الموت
رسالة إلى المجتمع الدولي
ما يجري في إيران اليوم ليس شأنًا داخليًا بل اختبار حقيقي لضمير العالم
إن صمت المجتمع الدولي أمام الإعدامات الجماعية والاضطهاد المنهجي لا يعني الحياد بل تواطؤًا مع الجريمة
فحين تتحرك وحدات المقاومة في عمق المدن الإيرانية لتعلن أن الشعب يريد الحرية فإن مسؤولية العالم الحر هي أن يسمع ويستجيب لأن الدفاع عن الحرية في طهران هو دفاع عن كرامة الإنسان في كل مكان



























