بقلم: تميم الفهداوي
في عام 1983، خرج رجال دين ومواطنون في مدينة “الثورة” (شرق بغداد) بمظاهرة نادرة، حاملين لافتة تطالب بتغيير اسم مدينتهم إلى “مدينة صدام”. لم يكن هذا المشهد مجرد استعراض ولاء، بل تعبيرًا عن شعور شعبي تلقائي بالامتنان، بعد أن قدّم لهم النظام آنذاك ما لم يكونوا يحلمون به: خدمات، أراضٍ، مساكن، ومكانة سياسية واجتماعية افتقدوها لعقود.
قام الأستاذ سمير الشيخلي في تعمير بغداد ومدينة صدام وكان للاستاذ سمير الشيخلي، بدورًا محوريًا ومتميزًا في مشاريع تعمير بغداد ومدينة صدام (الثورة سابقا) خلال فترة الثمانينات في العراق. تميز عمله برؤية تخطيطية شاملة وجهد كبير لتحويل الرؤى العمرانية إلى واقع ملموس. وتركزت جهوده في هذا المشروع على تصورًا تخطيطيًا متكاملًا للمدينة، يشمل الأحياء السكنية، والمراكز التجارية، والمدارس،والمستشفيات، والمرافق الترفيهية
واليوم، بعد أربعة عقود، تقف المدينة نفسها – وقد سُمّيت لاحقًا “مدينة الصدر” ولا يعلم أحد من أطلق هذه التسمية ؟!؟!– شاهدة على انقلاب في المفاهيم والولاءات من مواطنين يهتفون لصدام لأنه بنى، إلى شباب يُسحلون ويُغتالون لأنهم طالبوا بأبسط الحقوق، في عهد من رفع شعار “المظلومية” ثم حول البلاد إلى “مزرعة مفتوحة للمليشيات والفساد والولاءات الخارجية”.
اهل مدينة الثورة او مدينة صدام يتذكرون جيدا كيف كانت قيادة الدولة وبالتحديد الرئيس وابن بغداد وعاشقها سمير الشيخلي يجوبون مدينة الثورة في الليالي يتابعون انجاز المشاريع بينما اهل المدينة ينعمون بالنوم في مدينة اختار اهلها بارادتهم ان يسموها باسم رئيس بلدهم وللعلم لايزال اهل المدينة يتواصلون مع من خدموهم وبنوا لهم مدينتهم التي كانت قبل ذلك التعمير مدينة بائسة مثل حالها اليوم!!!
ومن منطق الولاء في العراق بين الحاجة والكرامة لا يمكن فهم مشهد تأييد صدام في الثمانينات إلا بفهم معادلة بسيطة حين يشعر المواطن أن الدولة تراه، وتخدمه، وتحميه، فإنه يبادلها بالثقة والولاء.
وهذا ما فعله النظام الوطني قبل ٢٠٠٣حين قرر أن يغيّر واقع مدينة الثورة:
•بنى مساكن ومراكز طبية ومدارس.
•وزّع أراضٍ للفقراء والجنود.
•فتح مؤسسات خدمية وبنى شبكة مجارٍ وماء وكهرباء.
النتيجة: ولاء شعبي في مدينة كانت تُعرف سابقًا بالتذمر والمظلومية.
اليوم: ماذا قدمت “دولة ما بعد 2003” لمدينة الثورة؟
بعد أكثر من 22 سنة من الديمقراطية الطائفية المزيفة ومدينة الثورة (الصدر حاليًا) اصبحت تعيش في أحياء من الطين والعشوائيات.وبلا مستشفيات حقيقية ولا مدارس لائقة.وتُحكم فعليًا من ميليشيات مسلحة تعبث بحياة الناس واقتصادهم.
وبدلًا من صدام الواحد، جاء مئات “الصغار” بأسلحة وعمائم وأجندات خارجية، يتقاتلون على الغنائم في مدينة كانت تحلم فقط بشبكة مجارٍ وكهرباء مستقرة.
من تظاهروا لتكريم رئيسهم بات أحفادهم يتظاهرون لإسقاط من بعده
•الجيل الذي هلّل للرئيس لأنه بنى، هو نفسه الذي أنجب الجيل الذي هتف في 2019:نريد وطن!
•أبناء مدينة الثورة خرجوا في الصد الأول لثورة تشرين، مطالبين بما هو أقل بكثير مما ناله آباؤهم قبل 40 عامًا.
لكن بدلًا من الاستجابة، استُقبلوا بالرصاص، والخطف، والقمع، والاغتيال.
الدلالة القوية ليس الناس من تغيّروا… بل الدولة التي لم تعد موجودة
الناس الذين أحبوا صدام واحبر سمير الشيخلي لأنهم شعروا بكرامتهم، هم أنفسهم الذين كرهوا من جاء بعدهم لأنهم سحقوا كرامتهم.
فالمشكلة ليست في المواطن، بل في من يحكمه وقد يكون النظام السابق قاسيًا… لكنه كان يقدّم شيئًا. بينما النظام الحالي يتحدث باسم “الحق والمظلومية”… لكنه يقال ويغيب ويسرق ويقمع ويبيع الوطن في المزاد.
الرسالة الأهم
إذا كانت صورة عام 1983 تشرح لماذا أحب الناس صدام، فإن مشهد العراق اليوم يشرح لماذا فقدت السلطة كل شرعية، ولماذا خرجت ثورة تشرين، ولماذا لم يعد الولاء يُشترى بالكلام أو الطائفية.؟!؟