بقلم: أ. د. محمد طاقة
في خضم ما تشهده امتنا العربية من احداث متسارعة وتداعيات عميقة ، تبرز امام أعيننا تساؤلات كثيرة ، مشروعة ومؤلمة في آن واحد
تفرض نفسها على المواطن العربي وتُربك قدرته على فهم ما يجري من حوله .
فالصورة يكتنفها الغموض ، والحقائق تضيع وسط تضارب الروايات ، حتى يجد المواطن العربي نفسه في حيرة من امره لا يدري اين الصواب ومن المستفيد .
ومن خلال متابعة ما جرى منذ السابع من اكتوبر عام (2023)، حيث قامت حركة حماس وبعض الفصائل الفلسطينية المسلحة بعملية بطولية ضد الاحتلال الاسرائيلي، ونجحت في اسر عدد من الجنود ، بدأت سلسلة من الاحداث التي تستدعي التأمل وطرح الاسئلة دون خوف أو تردد :
أولاً : هل قامت قيادة حماس بالتخطيط والتنفيذ لتلك العملية بعد موافقة مسبقة من ايران الداعم الرئيسي لها بالسلاح والمال ؟ وان صح ذلك فهل كانت الموافقة الإيرانية جزءاً من حسابات سياسية تتجاوز فلسطين لتخدم مشروعاً إقليمياً اوسع ؟
ثانياً : جاء الرد الاسرائيلي عنيفاً ووحشياً على نحو غير مسبوق ، اذ دمرت إسرائيل نحو (90%) من البنية التحتية لقطاع غزة ، لتجعله مكاناً غير صالح للحياة الإنسانية ، فهل كان الهدف القضاء على حماس ؟ ام القضاء على غزة بما تمثل من رمز للمقاومة الفلسطينية ؟
ثالثاً : ايران التي ادعت دعم المقاومة الفلسطينية ، ولم تتدخل عسكرياً بعد تلك الاحداث ، بل وقفت موقف المتفرج ، وأوعزت إلى اذرعها في المنطقة ان تتخذ الموقف نفسه ، فلماذا صمتت ايران هذه المرة ؟ وهل لانها لم تكن تتوقع هذا التصعيد ؟ ام لانها رأت في تدمير غزة فرصة لاعادة ترتيب اوراقها في الإقليم ؟
رابعاً : (وحزب الله ) ، الذراع الأقوى لايران في لبنان والمنطقة ، لم يفتح جبهة حقيقية مع إسرائيل كما كان متوقعاً ، رغم امتلاكه ترسانة صاروخية ضخمة وقدرات عسكرية متقدمة ، فلماذا امتنع الحزب عن التدخل الفعلي ؟ هل كان ينتظر إشارة من طهران ؟ ام ان المعركة لم تكن جزءاً من خطة ايران في هذا التوقيت ؟
خامساً : رغم ان إسرائيل وسعت دائرة المواجهة فاستهدفت القيادات العسكرية لحزب الله ودمرت المرافق الحيوية في لبنان من مطارات وموانيء وكهرباء وماء ، فإن حزب الله لم يُبادْ ، ولا زال السلاح بيده قائماً. فلماذا لم تنهِ إسرائيل وجوده كما أنهت مدناً بكاملها ؟ ام بقاءه مقصود خدمةً لموازنات معينة ؟ ؟؟
سادساً : وفي اليمن حيث لا يمثل الحوثيين اكثر من واحد في المئة من الشعب اليمني ، نجدهم اليوم يسيطرون على اهم الممرات المائية الدولية ، بفضل ما تلقوه من دعم إيراني غير محدود ، بالأسلحة والخبراء والصواريخ والطائرات المسيرة ، ولكن المدهش ان أمريكا وبريطانيا وإسرائيل، رغم كل قوتهم لن يتمكنوا من القضاء عليهم حتى اليوم ، فهل يعقل ان تعجز هذه القوى عن إنهاء جماعة صغيرة ؟ ام ان الامر اعمق من مجرد عجز عسكري ؟؟؟
سابعاً : تحت ذريعة محاربة الحوثيين ، شنت أمريكا وبريطانيا وإسرائيل غاراتها على البنية التحتية اليمنية ، فدمرت مطارات وموانيء واستهدفت ميناء الحديدة والكهرباء والمياه ، بينما بقي الحوثي نفسه في مأمن ، فهل الهدف كان الحوثيين فعلاً ؟ ام تدمير ما تبقى من قدرات الدولة اليمنية ؟؟
ثامناً : نستذكر كيف تعاونت إسرائيل وايران وأمريكا في الثمانينات على تدمير المفاعل النووي العراقي السلمي ، ثم نرى اليوم ايران تقترب من امتلاك السلاح النووي ، رغم عقود من المفاوضات التي لم تفضِ إلى شيء فلماذا سُمِح لايران بالتقدم النووي بينما حرم العراق منه ؟ اليس هذا تناقضاً يكشف ازدواجية الاهداف ؟
تاسعاً : قادت أمريكا وحلفاؤها حرباً شرسة على العراق فأحتلته عام (2003) ودمرت بناه التحتية بنسبة تزيد عن ال (80%) وإعادته إلى ما قبل العصر الصناعي ، ثم سلمته إلى ايران عدوها المعلن لماذا فعلت ذلك ؟ كيف يعقل ان تسلم واشنطن عدوها المفترض مفاتيح العراق وثرواته ولحد هذا اليوم ؟ ولماذا العراق ؟؟؟؟
عاشراً : بدأت أمريكا لاحقاً بتقليم اذرع ايران في بعض المناطق كحزب الله في لبنان ومحاولتها اسقاط النظام السوري ، لكنها لم تمس الحوثيين في اليمن ولا الحشد الشعبي في العراق ، فهل هناك تفاهمات خفية ؟ ام ان هذه الأذرع تلعب دوراً وظيفياً في الخطة الكبرى ؟؟
احد عشر : إذا كانت أمريكا ترى ان ايران ( راس الافعى ) كما تصفها ، فلماذا لم تضرب هذا الرأس وتنهي الصراع جذرياً بدلاً من الاكتفاء بضرب الأطراف ؟ هل لان وجود ايران القوية يخدم مصالح الغرب في إبقاء المنطقة مشتعلة ؟؟
أثنى عشر : في المحصلة نرى الدمار الحقيقي استهدف الدول العربية (العراق ، وسوريا، ولبنان ، واليمن ، وليبيا ) بينما بقت ايران وإسرائيل بمنأى عن التدمير سوى استهدافات محدودة لا تغير شيئا ًفي موازين القوة . والذين يقتلون هم من العرب ، فهل بات واضحاً من المستهدف ومن المستفيد ؟؟؟
إن هذه التساؤلات ليست اتهامات ولا ادعاءات ، بل هي دعوة للتفكير بعقلٍ مفتوح وروح ناقدة ، بعيداً عن التعصب والانفعال .
علينا ان نعيد قراءة ما يجري من حولنا بعين عربية حرة وان نتساءل بصدق ، هل نحن امام صراع حقيقي بين اطراف متناحرة ام امام مسرحية كبرى تدار بعناية لتدمير البنى التحتية العربية وتفكيك الامة من داخلها ؟ ان الجواب متروك للقاريء ولضميره ولقدرته
على رؤية ما وراء الضجيج .