بقلم: أ. د. محمد طاقة
يمر اليمن منذ اكثر من عقد من الزمن بواحدة من اكثر الأزمات تعقيداً في تاريخه الحديث ، حيث تحول من دولة تبحث عن الديمقراطية بعد الربيع العربي إلى ساحة صراع إقليمي ودولي تتقاطع فيها مصالح القوى الكبرى والإقليمية .
في قلب هذا المشهد الدموي برزت حركة الحوثيين – التي تعرف رسمياً باسم ( أنصار الله) ، كقوة انقلابية مسلحة استولت على العاصمة صنعاء عام (2014) ، وادخلت البلاد في دوامة من الحرب والفقر والانقسام .
غير ان فهم حقيقة الحوثيين لايكتمل إلا عبر تحليل خلفيتهم المذهبية ، وصلاتهم بايران ، والدور الذي تلعبه القوى العربية في الإبقاء عليهم كأداة ضغط دائمة في واحدة من اهم مناطق العالم الجيو سياسي .
تعود نشأة الحوثيين إلى تسعينات القرن الماضي في محافظة صعدة شمال اليمن ، على يد ( حسين بدر الدين الحوثي ) ، الذي اسس حركة دينية ذات طابع زبدي معارض للنفوذ السعودي والأمريكي ، بعد مقتل مؤسسها عام (2004)تولى القيادة اخوه ( عبد الملك الحوثي) الدي حول الحركة إلى تنظيم سياسي عسكري يحمل خطاباً طائفياً واضحاً ويستلهم شعارات الثورة الإيرانية مثل (( الموت لأمريكا ، الموت لاسرائيل، اللعنة على اليهود ، النصر للإسلام )) ، وبمرور الوقت ، توسعت الجماعة من مجرد حركة احتجاجية إلى قوة مسلحة سيطرت على العاصمة صنعاء ،واجبرت الحكومة الشرعية على الهروب إلى عدن ، ثم الرياض ، ومنذ ذلك الحين ، يعيش اليمن حالة حرب اهلية واقليمية مدمرة .
يشكل الحوثيون أقلية مذهبية تنتمي إلى الزيدية التي تنتشر في بعض مناطق الشمال ، خصوصاً صعدة وعمران وحجة وأجزاء من صنعاء ، في المقابل ، يرفض معظم سكان اليمن خاصة في الجنوب وتعز ومأرب , هيمنتهم ، معتبرينهم جماعة انقلابية مسلحة تمثل مشروعاً طائفيا ًيهدد وحدة البلاد .
لقد فرض الحوثيون سيطرتهم بالقوة والسلاح ، لا عبر الشرعية الشعبية ، واستخدموا سياسة القمع والتجويع والابتزاز المالي ، مستغلين مؤسسات الدولة لتمويل حربهم وإخضاع القبائل والمجتمعات المحلية .
العلاقة بين الحوثيين وايران ليست مجرد تحالف سياسي ، بل هي علاقة تبعية استراتيجية بامتياز ، فمنذ مطلع الألفية الثالثة ، تبنت طهران الحوثيين كذراع عسكري جديد ضمن مشروعها الإقليمي المعروف باسم الهلال الشيعي ، الذي يمتد من طهران إلى بغداد ودمشق وبيروت ، وقدمت لهم الدعم عبر ، التمويل والتسليح (( صواريخ ، طائرات مسيرة ، خبراء من الحرس الثوري )) .
الإعلام والتعبئة العقائدية من خلال قنوات ومنابر تابعة لايران وحزب الله وكذلك الدعم السياسي والدبلوماسي في المحافل الدولية لإضفاء الشرعية على وجودهم .
وتهدف ايران من ذلك إلى امتلاك قاعدة على البحر الأحمر وبالقرب من باب المندب ، ما يتيح لها التأثير على تجارة النفط العالمية وتهديد امن الملاحة الدولية متى تشاء .
منذ بداية الحرب في اليمن ، أعلنت الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا دعمهما ل ( التحالف العربي) بقيادة السعودية ضد الحوثيين ، لكن الواقع الميداني اثبت ان هذا الدعم لم يكن حاسما ، بل اتسم بالتردد والغموض ، ورغم التفوق العسكري الهائل للتحالف ، فإن الحوثيين لم يهزموا ، والسبب يعود إلى ان القوى الغربية لا تريد حسم الصراع بل تسعى إلى ادارته بما يخدم مصالحها الاستراتيجية . امريكا وبريطانيا وإسرائيل ، تستفيد من استمرار الحرب لعدة اسباب :
1- إنهاك السعودية والإمارات اقتصادياً وعسكرياً ، وإبقائها في حاجة دائمة للسلاح والدعم الغربي .
2- استخدام الحوثيين كورقة ضغط على ايران في مفاوضات النووي والملفات الإقليمية
3- إبقاء البحر الأحمر وباب المندب تحت تهديد دائم يبرر الوجود العسكري الغربي في المنطقة
4- منع اليمن من ان تتحول إلى دولة مستقلة قوية قادرة على التحكم في واحدة من اهم الممرات المائية في العالم .
يسيطر الحوثيون اليوم على مناطق ساحلية استراتيجية اهمها الحديدة ، ويملكون القدرة على تهديد الملاحة في باب المندب الذي تمر عبره نسبة كبيرة من التجارة العالمية ونفط الخليج إلى أوربا . هذا الموقع يمنحهم ورقة مساومة ضخمة بيد ايران ، التي يمكنها من خلالهم تعطيل الملاحة او استهداف السفن الاسرائيلية والغربية ، ومع ذلك لا تتحرك القوى الكبرى بشكل جاد لأزاحتهم ، لانها ترى في وجودهم توازناً مفيداً في لعبة النفوذ بالمنطقة .
ان جماعة الحوثي ليست ظاهرة يمنية محضة ، بل نتاج مشروع خارجي تقوده ايران وتغض عنه القوى الغربية الطرف ، لانه يخدم مصالحها في استمرار الفوضى والسيطرة غير المباشرة على المنطقة .
لقد تحول اليمن إلى ساحة لتصفية الحسابات بين قوى إقليمية ودولية ، والضحية الكبرى هو الشعب اليمني الذي يعاني من الفقر والمجاعة وانهيار الدولة .
وما لم يتم تحييد هذه القوى واعادة بناء دولة يمنية وطنية مستقلة ، سيظل الحوثيون اداة بيد طهران ، وورقة بيد واشنطن ولندن وتل ابيب ، لتفتيت اليمن واضعاف الامة العربية باكملها .




























