(( لا يلدغ المؤمن من جحر واحدٍ مرتين ))
بقلم: أ. د. محمد طاقة
قال رسول الله محمد (ص) ، (( لايلدغ المؤمن من جحر واحدٍ مرتين )) . نبه رسول الله في هذا الحديث الشريف ، المؤمنين من الحذر الذي لا يخدع مرتين من نفس المصدر ، أي ان المؤمن إذا خُدع أو أصيب بمكروه من جهة ما ، فإنه يتعلم من التجربة ولا يسمح لنفسه بأن يقع في نفس الخطأ ثانية.
لكن ما بالنا اليوم وقد لُدغنا اكثر من عشرين مرة خلال عقدين من الزمن ، وما زال آلبعض يتهيأ للذهاب إلى صناديق الاقتراع لانتخاب نفس الوجوه والأحزاب التي جلبت على العراق الدمار والخراب ؟
لقد اثبتت السنوات العشرون الماضية انها اشد الفترات قسوة في تاريخ العراق الحديث ،
اذ عانى العراقيون فيها من الاضطهاد والتشريد والقتل والسجون ، وشهد البلد انهياراً شاملاً في الخدمات العامة وتفشياً للفساد بكل اشكاله ، المالي والإداري والاخلاقي ، حتى غدت الدولة غارقة في نظام ثيوقراطي فاسد دمر البنية الاقتصادية والاجتماعية والاخلاقية للمجتمع العراقي .
فبعد عشرين عاماً من الفساد والفشل بلغ معدل الفقر في عام (2021 )ليصل إلى (31،7%) ، كما لا يزال اكثر من (12%) من العراقيين يعانون حرماناً حقيقياً في التعليم والخدمات او الدخل . وتقدر معدلات البطالة العامة في العراق ما بين (15% – 16%) في السنوات الأخيرة بينما ترتفع بين الشباب الفئة العمرية بين (15-24سنة ) إلى اكثر من (30%) .
اما بالنسبة للأمية ، وبالرغم ما يمتلكه العراق من تاريخ عريق في التعليم ، فقد ارتفعت معدلات الامية بشكل مقلق اذ تشير تقارير اليونسكو لعام (2022) إلى نحو (12)مليون إنسان أمي او اكثر يعيشون اليوم بلا تعليم فعلي ، بعد ان كان العراق في سبعينات القرن الماضي نموذجاً إقليمياً في محو الامية .
منذ عام (2003) وحتى اليوم ، نُهبت من خزينة العراق مبالغ خيالية لايمكن حصرها على الإطلاق وتقدر بمئات المليارات ، وبحسب تقارير ديوان الرقابة المالية العراقية وخبراء الاقتصاد تجاوزت ال (450) مليار دولار وهي بالحقيقة اكثر من ذلك بكثير . ومنها فضيحة تُعرف بسرقة القرن والتي سرقت فيها (2،5) مليار دولار من اموال الضرائب العامة . وبحسب تقديرات غير رسمية فإن مجموع ما فقد بسبب الفساد والمشاريع الوهمية ورواتب الموظفين الأشباح وغيرها من مصادر الإيرادات المختلفة تصل كحد ادنى الى (2) ترليون دولار تقريباً. وهكذا تحول الاقتصاد العراقي إلى اقتصاد ريعي هش مرهون بالكامل لإيرادات النفط ، ومكبل بالارتباط المالي والتجاري مع الاقتصاد الإيراني ، حتى اصبح البلد فعلياً تابعاً سياسياً واقتصادياً لايران من خلال نفوذ المليشيات المسلحة والحشد الشعبي ، الذي يهيمن على القرار الأمني والسياسي .
كان من اهداف الاحتلال الامريكي وحكومات الاحتلال المتعاقبة على حكم العراق تفكيك ركائز القوة الوطنية العراقية . فخلال العقدين الماضيين ، تم اغتيال اكثر من (1500) عالم وأكاديمي ، وتهجير الآلاف منهم ، وتمت ملاحقة الاف الضباط الوطنيين الذين خدموا في الجيش العراقي الوطني قبل عام (2003) ، كما تم إقصاء المثقفين والأطباء واساتذة الجامعات ، مما أدى إلى تفريغ العراق من كفاءاته وتحطيم الطبقة الوسطى التي كانت تمثل عماد التطور والإنتاج الوطني . لقد تحول إلى طبقتين ، قلة تملك السلطة والثروة ، وغالبية مسحوقة بالكاد تجد قوتها اليومي .
إلى جانب الفساد المالي ، انتشر الفساد الاخلاقي بصورة غير مسبوقة ، فالمخدرات التي كانت نادرة في العراق قبل عام (2003) اصبحت اليوم تتداول علناً ، وتحولت بعض المحافظات الجنوبية إلى ممر رئيسي لتهريبها من ايران . ما أدّى إلى تفكيك النسيج الاجتماعي وتدمير الشباب ، في ظل غياب القانون وتواطؤ الأجهزة الامنية والسياسية .
إضافة إلى ما تقدم ، تُرك العراق بلا صناعة وطنية ، بعد ان تم إغلاق معظم المصانع والمشاريع الانتاجية ، وبلا زراعة بعد تدمير البنية التحتية للري والمياه ، وبلا خدمات بعد ان فشلت الحكومات المتعاقبة في تأمين ابسط حقوق الانسان ، الماء والكهرباء والتعليم والصحة والسكن اللائق
لقد تم تحطيم كل مقومات التنمية المستدامة وتحويل العراق إلى سوق استهلاكي تهيمن عليه السلع. الإيرانية ، والى بلد يعتمد على الاستيراد حتى ابسط احتياجاته . فكيف تلدغ مرة اخرى ايها العراقي ؟ ومع كل ذلك ، ما زال هناك من يستعد للذهاب إلى صناديق الاقتراع لكن من هم هؤلاء ؟ غالباً لا تتجاوز نسبتهم من ( 10%-12%) من مجموع الناخبين وهم اما :
⁃ اتباع لاحزاب موالية إلى ايران
⁃ او فقراء يغريهم المال الانتخابي
⁃ او من الأميين والسذج الذين يقادون باسم الدين والمذهب
⁃ او من الخاضعين لتاثير المرجعيات الدينية والسياسية المتنفذة .
اما الأغلبية الصامتة ، من ابناء العراق الحقيقيين ، فقد ادركت ان لا ديمقراطية في ظل الاحتلال الأجنبي ونظام المليشيات وان المشاركة في انتخابات مزورة ومحسومة مسبقاًً ما هي إلا تجديد للخراب وتوقيع على استمرار الفشل .
يا ابناء العراق الشرفاء
لقد أوصانا رسولنا الكريم محمد (ص) بالحذر فقال (( لايلدغ المؤمن من جحر واحدٍ مرتين )) ونحن اليوم نكاد نلدغ للمرة العشرين من الجحر نفسه . فلنحكم عقولنا ، ولنرفض المشاركة في انتخابات صورية لا تعبر عن إرادة الشعب ، ولنرفع أصواتنا عالياً بالمقاطعة الواعية حتى نسقط شرعية هذا النظام الفاسد ، ونفتح باباً جديداً نحو تحرير الإرادة الوطنية ، وبناء دولة حقيقية قائمة على العدل والمواطنة والكفاءة لا على الطائفية والنهب والتبعية





























